الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية عدالة الإشهاد... الحق الممنوع.. بقلم سامي بن سلامة

نشر في  16 ديسمبر 2018  (11:17)

بقلم سامي بن سلامة
ابتدأت مجموعة صغيرة من عدول الإشهاد في وضع أسس عملية لمشروع جديد للمهنة سنة 2008 بعد أن تبينت عدم رغبة السلطات العمومية في تطويرها بعد إصلاحات سنة 1994 غير المكتملة. بعد أن استخلصت العبر من تجربة الجمعية التأسيسية المجهضة في بداية الألفية والتي أُعتبرت جمعية غير مرخص فيها من قبل السلطة ومن عجز الهياكل الجهوية عن التقدم بالمهنة وفرض النهوض بها.
لم يكتف أعضاؤها بتكوين الهيكل الوطني الذي كانوا ساهموا مع عديد عدول الإشهاد في المطالبة بإنشائه لجمع شتات الغرف الجهوية ولكنهم سعوا كذلك إلى تدعيمه بوضع تصورات حول ما يريدون الوصول إليه عن طريقه. لم يكن الأمر سهلا في ظل رفض السلطة المستبدة برأيها التحاور مع العدول ونظرها بريبة إلى اجتماعاتهم وتحركاتهم.
ولكن تلك النواة الصلبة تمكنت بعد التحالف مع عميدهم المنتخب حديثا من وضع تصورات إصلاحية تقوم على فلسفة معينة وتصور واضح لوضع المهنة حينها وللأهداف التي سيتحتم عليهم الوصول إليها. توليت في ذلك الزمن وضع أسس ذلك المشروع الطموح بمساندة من مجموعة العمل التي تكونت في تلك الظروف والتي كانت تخطط لمستقبل أفضل المهنة.
وقد كان حدث الثورة سنة 2011 عاملا مهما مكن عدالة الإشهاد من تجسيم تلك الأفكار والمخططات الجاهزة واستثمار تلك الجاهزية للتسويق لشكل جديد مغاير لعدالة الإشهاد التونسية. حيث كان من حسن حظ المهنة أن شارك بعض أبنائها في الثورة وفي ترتيبات المرحلة الانتقالية الأولى مما جعل الوضع مهيأ لكي تطالب المهنة بأبسط حقوقها وتنالها.
وهي تتمثل في الارتقاء إلى مستوى المعايير المتعارف عليها دوليا عن طريق قانون عصري ومتطور ينظمها وينزع عنها رواسب قانون تسلطي يسمح لوزارة العدل بالسيطرة عليها والتحكم فيها وفي مصير أبنائها في ظل جهل مطبق للمسؤولين فيها وعدم اهتمامهم لا بوضعها المتردي لا وبالتطورات العالمية التي شهدها المجال. تمت صياغة أبرز النقاط المتفق عليها في حزمة إصلاحات مترابطة تتضمن مطالب شرعية لا يمكن التخلي عنها ويبرز أغلبها جليا في معظم فصول مشروع القانون الذي حررناه وقدمناه للتفاوض حوله سنة 2011 ومن أهمها:
1) التخلص من هيمنة وزارة العدل على عدالة الإشهاد المهنة الحرة :
حيث كان من حق المهنة بوصفها مهنة حرة لا يتقاضى أبناؤها أجورا من الدولة تسيير شؤون مهنتهم والتخلص من هيمنة وزارة العدل غير المتابعة لواقع العدول المتردي والمزري وغير المهتمة بإصلاح وضعهم والمكبلة لتطورهم. وهي هيمنة كان من شأن تواصلها مزيد إضعافهم والحد من طموحهم وغالبيتهم العظمى من المتخرجين من المعهد الأعلى للقضاء ومن الحائزين على أعلى الشهادات في القانون، في التطور إلى مستوى نظرائهم في الدول الأوروبية وبل حتى الإفريقية.
2) إنشاء هياكل مهنية قوية تدافع على مصالح المهنة :
لم يكن هنالك من دور للهياكل القائمة تقريبا في حياة عدل الإشهاد وهي لا ترتقي إلى مستوى المؤسسات وأغلبها لا مقرات لها ويكون أداؤها مرتبطا عموما بشخصية من يتحمل المسؤولية فيها. إذ يتم انتخاب الجمعية الوطنية وهو الهيكل الوطني انتخابا غير مباشر من قبل الغرف التي تتم أغلب انتخاباتها في ظل عدم اهتمام ومقاطعة كبيرة من أغلب العدول الذين لا حق لهم في انتخاب عميدهم بصفة مباشرة.
وهو ما جعلها هياكل ضعيفة لا علاقة لها بمسيرة عدل الإشهاد لا من حيث النفاذ للمهنة ولا من حيث تكوينه أو ترسيمه بالجدول ولا من حيث مراقبة أعماله أو تأديبه ولا حتى في وضع التصورات والخطط لمستقبل مهنته. لذلك تخلص المشروع من هيمنة إدارة وزارة العدل ووزير العدل الذي لم يذكر إلا نادرا في المشروع في حالات تتعلق بإعلام الهياكل له قانونيا ببعض القرارات أو الوقائع وهو ما تفرضه وضعية المهنة المتكونة من مأمورين عموميين لا يمكن فصل مهامهم نهائيا على الدولة بوصفهم مفوضين من قبلها لتحرير العقود.
3) الحفاظ على استقرار المرفق العام بضمان ديمومة مكاتب الدول :
تعاني المهنة من مشكل الاستمرارية والدوام، إذ يعين العدل بصفة فردية وتنشأ بالتالي مكاتب عدول الإشهاد وتختفي باختفاء صاحبها عن طريق النقلة أو الاستقالة أو الوفاة. كما يحدث أن ينقل العدل مكتبه في نفس المنطقة إلى محل آخر بحثا عن معينات كراء أقل نظرا لتردي الوضع المادي لأهل المهنة عموما، وهو ما يتسبب في مواجهة المواطنين صعوبات كبيرة في التحصل على وثائقهم بعد سنوات من تحرير عقودهم باختفاء المكتب الذي توجهوا له حينها . مما دفعنا إلى الاقتداء بالتجارب المقارنة وخاصة الجزائرية في فتح مكاتب عمومية للتوثيق تنشأ وتلغى وفق معايير موضوعية بقرار من الهيكل الوطني. وهو ما يمكن من ضمان استمرارية وديمومة المرفق العام ومواصلة تقديم خدماته للمواطنين بقطع النظر عن شخص من افتتحه.
4) ضمان حقوق عدول الإشهاد في مكاتبهم :
يحدث أن يضطر عدل الإشهاد إلى الانتقال إلى مكتب آخر أو أن يطلب مالك العقار منه الخروج من محله باعتبار خضوعه لقانون الأكرية المدنية مما لا يضمن له أية حقوق. وهو ما يتسبب غالبا في خسارته حرفائه وموقعه المعروف به بعد سنوات طويلة من العمل والمجهود لتكوين سمعة وحرفاء وأرشيف. وقد سعى المشروع ولو أن عدل الإشهاد لا يمارس نشاطا تجاريا إلى تمتيعه بحق البقاء وحق إحالة حقوقه إلى زملائه للحفاظ على تلك الحقوق وعلى ثمار عمله. وكذلك سعيا وراء توفير خدمات المرفق العام الذي تمثله عدالة الإشهاد في كافة أرجاء تونس وإلى تشجيع أبنائها على الاستقرار بمكان تعيينهم خاصة إن كان داخل الجمهورية.
حيث يعمد أغلب العدول بعد مدة قصيرة من تعيينهم القسري في مناطق نائية أو بعيدة عن موطنهم الأصلي من قبل وزير العدل، إلى طلب النقلة إلى المناطق الساحلية والمدن الكبرى. وذلك نظرا لعدم توفر الظروف الملائمة للاستقرار بتلك المناطق التي عادة ما تكون بلدات صغيرة داخل الجمهورية لا تتوفر فيها ما يشجع على البقاء. كما عمل المشروع على تمكين العدل من تسيير مكتبه منفردا أو في شكل شركة مدنية مهنية أو مكاتب مجمّعة، مما كان سيمكنه من تطوير نشاطه ومن الاستفادة من التطورات العالمية ومن مجابهة المنافسة الداخلية والخارجية .
5) توفير الحماية القانونية لعدل الإشهاد :
يتعرض عدل الإشهاد في عمله لشتى أنواع الاعتداءات ولا تكفي الحماية الممنوحة لأشباه الموظفين العموميين على معنى فصول م.ج لتوفير مظلة حمائية معقولة. كما يتعرض لدعاوى كيدية تجعله يتعرض للمحاكمة وقبل ذلك للتشهير والإذلال لساعات بمراكز الأمن والحرس وأمام مكاتب حكام التحقيق بدون ذنب ارتكبه، لكي يتم إثبات براءته في النهاية بعد سنوات من المعاناة في دهاليز القضاء. وبما أن مهنة العدل تقوم على السمعة الحسنة ولتكاثر عمليات الاستنطاق التي يتعرض لها العدول في كامل أنحاء الجمهورية لأسباب واهية تمس من مصداقيتهم ومن مصداقية الحجج الرسمية التي يحررونها.
وهي حجج لا يمكن الطعن فيها إلا بالزور قانونا وهو ما يحتاج إلى إثباتات دامغة وليس إلى مجرد اتهامات نتيجة خلافات بين المتعاقدين يتم إقحام محرر العقد فيها. أقر المشروع فصولا تكفل التثبت من التهم الموجهة له من قبل هياكله المهنية وتمنح مكتبه حماية قانونية مهمة وتمنع اقتحامه أو تفتيشه إلا بحضور ممثل عن الهياكل المهنية. فليس من المقبول أن يتمتع جميع المشتغلين صلب المنظومة القضائية بالاستقرار النفسي والوظيفي وأن يصعب تتبعهم وأن يعيش عدل الإشهاد رغم مهامه شديدة الحساسية والخطورة حياته في رعب من تمضية وقته بين جنبات المحاكم ومما يمكن أن يحصل له لو اشتكى به أحد المتعاقدين بطريقة كيدية. جعل ذلك الوضع أغلب العدول يمتنعون عن تحرير أغلب العقود التي يشعرون أنهم غير مرتاحين لأصحابها، مما أثر على عملهم وعلى مداخيلهم وعلى نفسياتهم ودفع بالعديد منهم إلى الاستقالة والمغادرة خشية تسبب عقد أجرته 100 دينار في التداين لصرف عشرات الملايين لإثبات البراءة.
6) استرجاع عدل الإشهاد رمزيته كقاض للعقود :
كانت تسمية العدول تتم قديما بأمر علي صادر عن الباي شخصيا وكانت لهم مكانة اعتبارية كبيرة ويتمتعون بصلاحيات واسعة تشمل حتى التحقيق في الجرائم. ويعتبر عدل الإشهاد في القوانين المقارنة "قاضيا للسلم" وحاملا للواء "العدالة الوقائية". لذلك عمل المشروع على منحه صفته "قاضي العقود" وعلى تسميته من قبل رئيس الجمهورية الذي يؤدي اليمين أمامه وعلى منحه الحصانة ومنع مقاضاته إلا بعد تأمين مبلغ مالي بالخزينة العامة للبلاد التونسية لمنع الشكايات الكيدية وغير المدعمة. كما منحه كذلك جميع الصلاحيات المتعارف عليها دوليا باسترجاع صفة المأمور العمومي المنفرد وإلغاء الدفاتر القروسطية التي لا يحرر فيها إلا بخط اليد وكذلك بتكريس قوة حججه الثبوتية ومنحها القوة التنفيذية وتمكينه من ختم الدولة وهي عناصر لا تستقيم بدونها الحجة الرسمية.
7) إحداث شهادة "كفاءة" واعتبارها شهادة علمية :
لم نكن راضين على أساليب التكوين ومناهجه بالمعهد الأعلى للقضاء ولا على الشهائد المسلمة تحت تسمية "التأهيل". وكان في واردنا الرفع من مستوى العدول، إذ أن من حق عدل الإشهاد مواصلة تكوينه وتعليمه. أقر المشروع شهادة "كفاءة" بعد سنتين من التكوين في "معهد أعلى للموثقين" وفرض الماجستير على من يروم دخول المهنة.
كما قرر اعتبار شهادة الكفاءة المسلمة له شهادة علمية تخول له مواصلة دراسته والترسيم في الدكتوراه. إذ كان ذلك مما يمكن بنظرنا من تكوين نخبة جديدة من العدول رفيعة المستوى ومن اقتحام مجال التدريس والتكوين في الجامعات بأكثر قوة. كما كان ليمكن العدل الذي يريد تغيير مجال عمله من سهولة الالتحاق بمجالات أخرى كالقضاء والمحاماة وغيرها.
8) توسيع مجالات تدخل عدل الإشهاد :
بعد صدور مرسوم المحاماة الذي حاول الاستيلاء على اختصاص عدل الإشهاد في تحرير العقود سنة 2011 والذي وقفنا ضده وتمكننا من جعل نسخته المصادقة عليها تكتفي بإقرار أمر واقع فرضته م.ح.ع وبعض القوانين الخاصة. عملنا على توسيع اختصاص عدل الإشهاد في مجالات لا علاقة لمهنة المحاماة المنافسة بها. ومع أن الفصل الذي وضعناه في المشروع كان موسعا ووضع بغاية رفع سقف التفاوض ونيل أقصى ما يمكن من حقوق، إلا أننا حاولنا من خلال المشروع الحصول على بعض المكاسب المهنية المهمة جدا في نظرنا.
ومن أهمها الاستغناء نهائيا عن الجليس والدفاتر وكذلك عن الأذون القضائية لاستخراج نسخ عقودنا واسترجاع دفاترنا القديمة. والحصول على اختصاص تحرير عقود القرض والرهن و عقود الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية. وعلى أحقية تمثيل عدل الإشهاد لحرفائه أمام المحكمة العقارية في كل ما يتعلق بمطالب التسجيل و التحيين والتداخل فيها وكذلك أمام المحاكم الأخرى في كل ما يتعلق بإصلاح حالتهم المدنية وإصلاح العقود الموثقة عن طريق حجج عادلة . وكذلك تمثيلهم أمام جميع الإدارات العمومية في كل ما يتعلق بشؤون عقودهم وتركاتهم. ووضعنا نقاط مهمة جدا تتمثل في تمكين العدل من حفظ العقود التي يتسلمها للإيداع والتعريف بالإمضاءات و إيداعها (الفصل 19).
9) تخفيف العبء على عدل الإشهاد في إدارة مكتبه :
نظرا لصعوبة المهنة وما تتطلبه مباشرتها من جهد ووقت، عمل المشروع على استيراد التجارب المقارنة الناجحة في اعتماد كتبة محلفين ومساعدين ومحاسبين وغيرهم. وقد حدد شروطا لعملهم ومنع الموظفين المذكورين من الانتقال من مكتب إلى آخر كما يحصل كثيرا حاليا بدون موافقة العدل أو بشرط مرور 3 سنوات عن المغادرة. وقد مكن المشروع المساعد المحلف من تلقي الإمضاءات عوضا عن مؤجره وفكرنا في إمكانية مغادرة العدل لمكتبه مؤقتا في عطله كغيره من المواطنين وتعويضه بزميله، كل ذلك لتمكينه من ممارسة حياة ثقافية واجتماعية ورياضية أو سياسية أو جمعياتية كغيره من المواطنين كذلك. إذ وضع المشروع الخلاصة...في نهار موش بعيد ما تتفاجأوش وزارة العدلإمكانيه لتعيين نائب له عند غيابه المؤقت عن مكتبه بطلب منه، لكي لا يتعطل عمله ولا شؤون المواطنين. حيث يمكن للنائب تحرير العقود باسم زميله ونيابة عنه ولكن تحت مسؤوليته الشخصية.
10) قبض الثمن ومعاليم التسجيل وغيرها من المطالبين بتسديدها :
لتطوير المهنة وتمكينها من الإمكانيات المادية التي تسمح لها بذلك، وضعنا ضمن المشروع فصولا مستنبطة من القوانين المقارنة تتعلق بقبض عدل الإشهاد قبل تحرير العقود للثمن و معاليم التسجيل و الترسيم وكافة المصاريف المستوجبة من المطالبين بتسديدها. ومكناه من دفعها مباشرة لقباضات الإدارات المعنية ومن استخلاص نسبة عن تلك المعاليم لفائدته تحدد بقرار الأجرة.
وكان من شأن تلك المبالغ التي يساهم العدل بجزء منها للهياكل من إحداث الصناديق المزمع إحداثها، كصندوق التأمين على المسؤولية المهنية وصندوق التقاعد وغيرها، من إعفاء الصناديق الاجتماعية الوطنية من بعض الأثقال المسلطة عليها ومن ضمان استخلاص الدولة لكامل حقها من الأداءات والمعاليم التي لا تتوصل منها إلا بنزر قليل بسبب ترك أمر أدائها من عدمه بيد المواطنين خلافا للقوانين المقارنة. كما كان من شأن ذلك تغيير وجه عدالة الإشهاد نهائيا ورفعها إلى مستوى التجارب العالمية الناجحة وإخراجها من حالة البؤس والانهيار الذي تعانيه وجعلها قبلة لخريجي كليات الحقوق الذين يعاني أغلبهم البطالة وانسداد الآفاق.
تم للأسف إجهاض مشروع القانون الثوري الذي وضعناه والذي كنا نتفاوض حوله مع وزارة العدل بعد إخراجنا عنوة من لجنة التفاوض التابعة للجمعية الوطنية بإيعاز وسعي منها زمن الترويكا. وقد استغلت الوزارة بعض النفوس الضعيفة التي تصدرت هياكل المهنة بمساعدتها سنة 2012 وساهمت في تجييرها لخدمة مخططاتها.
ترغب الوزارة في ترك المهنة ضعيفة ومهمشة خضوعا للوبيات القطاعية تتحكم في قراراها مشكلة داخلها من القضاة المحافظين الرافضين لسنة التطور ولخروج عدالة الإشهاد من تحت سيطرتهم شبه المطلقة وخارجها من لوبي المحاماة القوي الذي يعادي المهنة ويمنع بكل السبل انعتاقها وتطورها خوفا من استرجاعها يوما ما لصلاحياتها الطبيعية التي سلبها منها خلافا لكل التجارب العالمية. وقد توافق هدف الوزارة في ترك الحال على ما هو عليه تقريبا وإجراء بعض التحسينات السطحية ورفض أي إصلاح جوهري مع هدف بعض ما يسمون بـــ"عدول الزيتونة".
وهم من العدول الذين احتكروا تحرير عقود ”المرابحة“ لمصرف الزيتونة الذي أقصى بقية عدول الإشهاد من التعامل معه بعد رفضهم لشروطه المهينة قبل الثورة وكذلك بعدها، خاصة فيما يتعلق بالأجور البخسة التي يفرضها عليهم. وهؤلاء لم يكن يهمهم في المشروع الجديد لا الاختصاصات ولا القوة التنفيذية ولا تطوير المهنة التي لا يعيشون في الواقع في إطارها. إذ أنهم "شبه موظفين" يحررون العقود بمقرات المصرف المذكور ولا علاقة لهم لا بمشاغل أهل المهنة ولا بمصاعبهم المادية ولا بتطلعاتهم. وقد أضحوا بعد الثورة يمثلون قوة مالية مؤثرة تتدخل في انتخابات العدول وتدفع ثمن الاشتراكات لمن يقبل بالتصويت لمرشحيها.
ولا يهمها في الواقع غير إصلاح أمرين اثنين لا ثالث لهما، يتعلق الأول بإلغاء الجليس والثاني بإلغاء الدفاتر، لأسباب لا تعدو إلا أن تكون مصلحية بحتة. إذ تتعلق في الواقع بتوفير مداخيل أكبر بإلغاء الجليس الذي كان يستنزفها بنسبة يتقاضاها من ضمن المداخيل الضخمة التي يجنونها كل يوم من عقود المصرف المذكور. وكذلك بتحرير أكثر عدد ممكن من العقود التي يوفرها المصرف المذكور بعدد ضخم وهو ما لا تتيحه الدفاتر التي يحرر فيها بخط اليد.
وقد وضعت وزارة العدل بتواطؤ من أولائك جميعا بعد سيطرتها على لجنة التفاوض مشروع مواز أول سنة 2014 يتأخر بالمهنة قرونا إلى الوراء، يتضمن الأمرين المذكورين وقد قبله مكتب الجمعية الوطنية وعدول الزيتونة. لكننا تمكننا من إسقاطه في حينه بعد جهد جهيد ومن حماية المهنة من انعكاساته السلبية بعد أن أسقطنا كذلك في نفس الفترة وهي فترة الترويكا مشروع المأذون الشرعي والمشروع الآخر المدمر الذي اعترضنا عليه لما كنا في غرفة تونس وقبرناه في المهد في الفترة نفسها وهو مشروع الأوقاف.
وهو مشروع خطير كان سيعود بتونس قرونا إلى الوراء كذلك وقد تمكننا من قتله في المهد وكان مكتب الجمعية قبله وانخرط في الدعاية له بدعوى تمكينه العدول من صلاحيات جديدة. واليوم وبعد كل هذه السنوات من "مسرحية التفاوض" التي مططوها انتظارا للظرف المناسب للانقضاض على المهنة وتقسيمها، تعود الوزارة ويعودون معها من جديد بقانون مواز ثان أخبث من الأول. وهو مشروع يتراجع بالمهنة إلى مستوى كانت تعانيه زمن تنظيمها بالأمر العلي لسنة 1929 الذي نُقلت منه بعض فصول المشروع الخبيث الجديد حرفيا. حيث ينزع بعض أبسط الصلاحيات المتبقية لعدل الإشهاد كالتحرير على الأمي أو لمن لا يفهم العربية أو لمن لا يحمل بطاقة تعريف بالاستعانة بشاهدين يحملانها.
يطالب عدول الإشهاد بسحب المشروع الجديد نهائيا ولن يرضوا بأي قانون جديد لا يتضمن النقاط العشرة الأساسية المذكورة آنفا. وهي نقاط لا علاقة لها بالمهن الأخرى ولا تتدخل لا في صلاحياتها ولا اختصاصاتها وهدفها تطوير المهنة وتحسين إطار عمل أبنائها وتوفير خدمات متطورة للمواطنين. ومن الظلم لنا كمهنيين وبعد كل هذه السنوات من النضال، التي نطالب ونسعى فيها ونجتهد لتطوير مهنة منتهكة حقوقها أن نمنع من حقنا وأن يتم الاستهتار بمطالبنا والالتفاف عليها. لن نسمح بمرور المشروع الموازي وسنسقطه، فمطالبنا بسيطة ولا تكتسي صبغة مالية ولا تثقل ميزانية الدولة وغايتها التطوير والتحسين وتمتيع المواطن التونسي بمظلة حمائية يتمتع بها مواطنو ثلاثة أرباع دول العالم، ولن نتوقف حتى نحصل عليها كاملة.